بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد و آل محمد

 كلمة المبعث

إن هذه الاحتفالات المقامة بهذه المناسبات العظيمة علينا أن نستغلها استغلالاً يقرب على ما نستطيع من الغرض الذي كانت لأجله , لأجل أن نكون أقرب إلى مصدر الرسالة وأتم في تطبيقاتها والسير على نهجها , و أقل ما فيها حضور جمع يشبه هذا الجمع المبارك في مكان واحد لأجل إحياء شعائر الله في هذه الأرض , فيكون فيه التذاكر والتذكر لآلاء الله ورحمته , والتعرف على كثير من الوجوه الطيبة , ومعرفة هموم الأمة وكيفية علاجها , وزيادة التقرب والتقارب وأوجه التقريب بين الآراء المتباينة لعلنا نصل إلى الحقيقة التي جاء بها رسولنا الكريم صلى الله عليه و آله , و أهل البيت أدرى بالذي فيه , فهنيئاً للمؤمنين من أمثالكم حيث اتبعتم النهج الواضح والطريق السوي .

نحن في عام الأربعين من عام الفيل …… هاهي جبال مكة الجرداء تظهر أمام أنظارنا , إنها جبال جرداء بمعنى الكلمة والذي يراها يقترب من معنى قول إبراهيم الخليل في مناجاته وانقطاعه إلى ربه  (( رب إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم  )) ,   أنه خالٍ من الزرع تنعكس عليه الشمس فيظهر ألوانا رمادية وغامقة يشعر معها الإنسان بوحشة تنتابه وبُعدٍ عن الحياة فينتقل إلى أمور كثيرة لا يعرف منها إلا الألوان الغامقة التي تأخذ به إلى المجهول فيشعر بالرهبة والخضوع والخوف والوجل , ولعل ذلك الموضع من الأسرار التي أرادها رب العزة ليقرب الإنسان منه حين وصوله لتلك البقاع , لأنه حينما يعيش بهذا الفراغ القاتل تظهر له معالم الحياة وسرها إنه البيت الحرام والمسجد المبارك والبقعة التي خصها الباري بأنواع لطفه وعظيم عنايته .

إلا أن القوم قد حولوا أول بيت ووضع للناس إلى مكان لعبادة أصنامهم المصنوعة بأيديهم فيا للمهزلة ولضياع الإنسان …. ما أتعس الإنسان حينما يبتعد عن طريق الله .. ما أتعس الإنسان حينما يعبد شهواته وغرائزه  ..

(( والعصر إن الإنسان لفي خسر ))  …..

ويبقى هناك بصيص أمل … بل كل الأمل , حينما يكون مثل محمد صلى الله عليه وآله موجوداً …

.. أين أنت يابن المكارم … أين أنت يابن الأنبياء … أين أنت يا خليفة الله في أرضه .

ويأتي الصوت وصداه المنتشر بين جبال مكة وشعابها  :

هاهو بن زمزم والصفا …. هاهو ابن مكة ومنى .. هاهو بن المطهرين الذي لم تنجسه الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسه من مدلهمات ثيباها , هاهو التقي النقي , هاهو الصادق الأمين ,  هاهو محمد بن عبد الله  صلى الله عليه وآله وسلم يتعبد في غارٍ هناك بين جبال ( فاران ) إنها بقعة مطلة على البيت الحرام مع ابتعادها عنه بثلاثة أميال  , إنه هناك ….. إنه غار حراء  …….  ويجلجل الصوت الإلهي فيه فيملأه رهبة وروعة واستقرار وطمأنينة وهدوء وسكينة (( إقرأ  ))   ما أنا بقارئ  ( إقرأ )  ما أنا بقارئ   (( إقرأ باسم ربك الذي خلق   خلق الإنسان من علق ) .

ويبدأ النور الإلهي من هناك لينقذ البشرية من الظلمات إلى النور…. فيخترق الزمان والمكان …..إنه يزحزح كل الأحجار فيهوى الجميع على وجوههم ساجدين لرب العلمين   حتى يستقر في بيت الله لينطلق من هناك … وبعد سنين طوال عجاف  أكلت ما أكلت لشدتها ينطلق إلى أول مسجد أقيم في الإسلام إنه مسجد  قبا  القريب من يثرب , وعندما يدخلها بنفسه الشريفة تتحول إلى المدينة المنورة بنور محمد صلى الله عليه وآله حتى يكون ثم مسجد آخر للإسلام العظيم إنه المسجد النبوي الذي يبنيه الرسول صلى الله عليه و آله  بيديه المباركتين مشاركا لبقية المسلمين في إقامة هذا الصرح العظيم , ومن هناك لينطلق إلى العالم كله والزمان كله , حتى يصل إلينا إلى هنا حيث نحن مجتمعون , فما أروع من يشترك مع محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم في بناء بيت من بيوت الله في يوم سعيد كهذا حيث انطلقت الرسالة الإسلامية لتملا الأرض خيرا وكرامة .

 اللهم فيسر لنا طريقنا وبيض وجوهنا ولا تخزنا يوم القيامة واجعلنا ممن يتبع تلك الدعوة الصادقة , ويتأسى برسولك الكريم صلى الله عليه وآله وسلم   (( ولكم في رسول الله أسوة حسنة ) ….. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .   

 محمد حسين الأنصاري